الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء...)
الدليل الثالث عشر: قوله تعالى: (( إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ))[النساء:59]. وجه الاستدلال: أن الله أمر برد ما يتنازع فيه الناس إلى ما ذكر وهو إلى الله، أو إلى رسوله، أي: إلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فالرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يكون بالرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد مماته، فلولا أن المردود إليه يفيد العلم، وفصل النزاع؛ لم يكن في الرد إليه فائدة.إذاً فلابد يكون المردود إليه مما يفصل ويحسم النزاع، فمثلاً اختلفنا نحن وهم في إثبات أسماء الله وصفاته، واختلف أهل السنة وأهل البدع في إثبات أمور من القدر، وفي إثبات أمور من أخبار الآخرة كالصراط، والميزان، والحشر، أمور كثيرة، والنزاع فيها شديد، وهو من أعظم أنواع النزاع في الدنيا؛ لأنه نزاع في الدين والمعتقد، فنريد أن نعمل بهذه الآية، فنرجع موضع النزاع إلى الله ورسوله، فرجوعه إلى الله تعالى معلوم، ورجوعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته لا شك فيه، وأما بعد مماته صلى الله عليه وسلم فلابد من أن نرجع إلى ما ثبت عنه، فهذا دليل على أن ذلك المنقول والثابت عنه صلى الله عليه وسلم، يفيد العلم وفصل النزاع؛ وإلا فلا فائدة من ذلك الرد إليه.يقول رحمه الله: (وهذا برهان قاطع بحمد الله، فلهذا قال من زعم أن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفيد العلم: أن نرد ما تنازعنا فيه إلى العقول والآراء والأقيسة، فإنها تفيد العلم) فنأخذ من كلامهم هذا القدر، أي: نأخذ من كلامهم ما يرد إليه عند التنازع، وما يتحاكم إليه، فهو يفيد العلم ولابد، ولهذا قالوا: نرد مواضع النزاع هذه إلى الأقيسة والآراء، وهم يقولون : إلى القواعد القطعية، والبراهين العقلية؛ لأنها تفيد العلم وتقطع في مواضع النزاع. فنقول: نحن نوافقكم على أنه لا يرد إلا إلى ما يفيد القطع والعلم، فإذا أمر الله تعالى أن نرد إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك دليل -بنص الآية- على أنها تفيد العلم، وتقطع النزاع.